فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قوله: {لِلَّذِينَ هَادُواْ} فيه وجهان:
الأول: المعنى أن النبيين إنما يحكمون بالتوراة للذين هادوا، أي لأجلهم وفيما بينهم، والثاني: يجوز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير على معنى إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا. اهـ.
قال الفخر:
أما الربانيون فقد تقدم تفسيره، وأما الأحبار فقال ابن عباس: هم الفقهاء، واختلف أهل اللغة في واحده، قال الفرّاء: إنما هو «حبر» بكسر الحاء، يقال ذلك للعالم وإنما سمي بهذا الاسم لمكان الحبر الذي يكتب به، وذلك أنه يكون صاحب كتب، وكان أبو عبيدة يقول: حبر بفتح الحاء.
قال الليث: هو حبر وحبر بكسر الحاء وفتحها.
وقال الأصمعي: لا أدري أهو الحبر أو الحبر، وأما اشتقاقه فقال قوم: أصله من التحبير وهو التحسين، وفي الحديث «يخرج رجل من النار ذهب حبره وسبره» أي جماله وبهاؤه، والمحبر للشيء المزين، ولما كان العلم أكمل أقسام الفضيلة والجمال والمنقبة لا جرم سمي العالم به.
وقال آخرون اشتقاقه من الحبر الذي يكتب به، وهو قول الفرّاء والكسائي وأبي عبيدة، والله أعلم. اهـ.
وقال الفخر:
حفظ كتاب الله على وجهين:
الأول: أن يحفظ فلا ينسى.
الثاني: أن يحفظ فلا يضيع، وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين: أحدهما: أن يحفظون في صدورهم ويدرسوه بألسنتهم، والثاني: أن لا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الباء في قوله: {بما استحفظوا} للملابسة، أي حكمًا ملابسًا للحقّ متّصلًا به غير مبدّل ولا مغيّر ولا مؤوّل تأويلًا لأجل الهوى.
ويدخل في الاستحفاظ بالكتاب الأمر بحفظ ألفاظه من التغيير والكتمان.
ومن لطائف القاضي إسماعيل بن إسحاق بن حَمَّاد ما حكاه عياض في «المدارك»، عن أبي الحسن بن المنتاب، قال: كنت عند إسماعيل يومًا فسئل: لم جاز التّبديل على أهل التّوراة ولم يجز على أهل القرآن، فقال: لأنّ الله تعالى قال في أهل التّوراة {بما استحفظوا من كتاب الله} فوكل الحفظ إليهم.
وقال في القرآن: {إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون} [الحجر: 9].
فتعهّد الله بحفظه فلم يجز التّبديل على أهل القرآن.
قال: فذكرت ذلك للمُحاملي، فقال: لا أحْسَنَ من هذا الكلام.
و{من} مبيّنة لإبهام «ما» في قوله: {بما استحفظوا}.
و{كتاب الله} هو التّوراة، فهو من الإظهار في مقام الإضمار، ليتأتّى التّعريف بالإضافة المفيدة لتشريف التّوراة وتمجيدها بإضافتها إلى اسم الله تعالى. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {بِمَا استحفظوا مِن كِتَابِ الله وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} الآية.
أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الأحبار والرهبان استحفظوا كتاب الله يعني استودعوه، وطلب منهم حفظه، ولم يبين هنا هل امتثلوا الأمر في ذلك وحفظوه، أو لم يمتقلوا الأمر في ذلك وضيعوه؟ ولكنه بين في مواضع أخر أنهم لم يمتثلوا الأمر، ولم يحفظوا ما استحفظوه، بل حرفوه وبدلوه عمدًا كقوله: {يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46] الآية.
وقوله: {يُحَرِّفُونَ الكلم مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 41] الآية، وقوله: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرا} [الأنعام: 91]، وقوله: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله} [البقرة: 79] الآية، وقوله جل وعلا: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكتاب لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الكتاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَاب} [آل عمران: 78] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
تنبيه:
إن قيل ما الفرق بين التوراة والقرآن، فإن كلًا منهما كلام الله أنزله على رسول من رسله صلوات الله وسلامه عليهم، والتوراة حرفت، وبدلت كما بيناه آنفًا، والقرآن محفوظ من التحريف والتبديل، لو حرف منه أحد حرفًا واحدًا فأبدله بغيره، أو زاد فيه حرفًا أو نقص فيه آخر لرد عليه آلاف الأطفال من صغار المسلمين فضلًا عن كبارهم.
فالجواب أن الله استحفظهم التوراة، واستودعهم إياها، فخانوا الأمانة ولم يحفظوها، بل ضبعوها عمدًا والقرآن العظيم لم يكل الله حفظه إلى أحد حتى يمكنه تضييعه، بل تولى حفظه جل وعلا بنفسه الكريمة المقدسة، كما أوضحه بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقوله: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِه} [فصلت: 42] الآية، إلى غير ذلك من الآيات و«الباء» في قوله: {بِمَا استحفظوا} متعلقة بالرهبان والأحبار، لأنهم إنما صاروا في تلك المرتبة بسبب ما استحفظوا من كتاب الله.
وقيل: متعلقة ب {يحكم} والمعنى متقارب. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} أي هؤلاء النبيون والربانيون والأحبار كانوا شهداء على أن كل ما في التوراة حق وصدق ومن عند الله، فلا جرم كانوا يمضون أحكام التوراة ويحفظونها عن التحريف والتغيير. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وضميرُ {وكانوا} للنبيئين والربانيّين والأحبار، أي وكان المذكورون شهداء على كتاب الله، أي شهداء على حفظه من التّبديل، فحرف على هنا دالّ على معنى التمكّن وليس هو على الّذي يتعدّى به فعل شَهِد، إلى المحقوق كما يتعدّى ذلك الفعل باللام إلى المشهود له، أي المحِقّ، بل هو هنا مثل الّذي يتعدّى به فعل حفظ ورقب ونحوهما، أي وكانوا حفَظَة على كتاب الله وحُرّاسًا له من سوء الفهو وسوء التّأويل ويحملون أتباعه على حَقّ فهمِه وحقّ العمل به. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما قرر أن النبيين والربانيين والأحبار كانوا قائمين بإمضاء أحكام التوراة من غير مبالاة، خاطب اليهود الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنعهم من التحريف والتغيير.
واعلم أن إقدام القوم على التحريف لابد وأن يكون لخوف ورهبة، أو لطمع ورغبة، ولما كان الخوف أقوى تأثيرًا من الطمع قدم تعالى ذكره فقال: {فَلاَ تَخْشَوُاْ الناس واخشون} والمعنى إياكم وأن تحرفوا كتابي للخوف من الناس والملوك والأشراف، فتسقطوا عنهم الحدود الواجبة عليهم وتستخرجوا الحيل في سقوط تكاليف الله تعالى عنهم، فلا تكونوا خائفين من الناس، بل كونوا خائفين مني ومن عقابي. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بآياتي ثَمَنًا قَلِيلًا} أي كما نهيتكم عن تغيير أحكامي لأجل الخوف والرهبة، فكذلك أنهاكم عن التغيير والتبديل لأجل الطمع في المال والجاه وأخذ الرشوة فإن كل متاع الدنيا قليل، والرشوة التي تأخذونها منهم في غاية القلة، والرشوة لكونها سحتًا تكون قليلة البركة والبقاء والمنفعة، فكذلك المال الذي تكتسبونه قليل من قليل، ثم أنتم تضيعون بسببه الدين والثواب المؤبد، والسعادات التي لا نهاية لها.
ويحتمل أيضًا أن يكون إقدامهم على التحريف والتبديل لمجموع الأمرين، للخوف من الرؤساء ولأخذ الرشوة من العامة، ولما منعهم الله من الأمرين على ما في كل واحد منهما من الدناءة والسقوط كان ذلك برهانًا قاطعًا في المنع من التحريف والتبديل. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون} المقصود من هذا الكلام تهديد اليهود في إقدامهم على تحريف حكم الله تعالى في حد الزاني المحصن، يعني أنهم لما أنكروا حكم الله المنصوص عليه في التوراة وقالوا: إنه غير واجب، فهم كافرون على الإطلاق، لا يستحقون اسم الإيمان لا بموسى والتوراة ولا بمحمد والقرآن. اهـ.

.قال الثعلبي:

اختلف العلماء في معنى الآية وحكمها.
فقال الضحّاك وأبو إسحاق وأبو صالح وقتادة: نزلت هذه الآيات الثلاث في اليهود وليس في أهل الإسلام منها شيء فأما هذه الأمّة فمن أساء منهم وهو يعلم إنه قد أساء وليس بدين.
يدلّ على صحة هذا التأويل. ما روى الأعمش عن عبد اللّه بن مرّة عن البرّاء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون} والظالمون والفاسقون. قال: كلها في الكافرين.
وقال النخعي والحسن: نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضىً لهذه الآية بها فهي على الناس كلّهم واجبة.
عن ابن عباس وطاووس ليس بكفر ينقل عن الملة بل إذا فعل ذلك وهو به كفر، وليس كمن يكفر باللّه واليوم الآخر.
عطاء: هو كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.
عكرمة: معناه ومن لم يحكم بما أنزل اللّه جاحدًا به فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق. وهذه رواية الوالبي عن ابن عباس قال: وسمعت أبا القاسم الحبيبي، قال: سمعت أبا زكريا العنبري، يحكي عن عبد العزيز بن يحيى الكناني إنه سأل عن هذه الآيات، قال: إنها تقع على جميع ما أنزل اللّه لا على بعضه فكل من لم يحكم بجميع ما أنزل اللّه فهو كافر ظالم فاسق.
فأما من يحكم ببعض ما أنزل اللّه من التوحيد وترك الشرك ثم لم يحكم بهما فبين ما أنزل اللّه من الشرائع لم يستوجب حكم هذه الآيات.
قالت الحكماء: هذا إذا ردّ بنص حكم اللّه عيانًا عمدًا، فأما من جهله أو أخفي عليه أو أخطأ في تأويل ابتدعه أو دليل اتّجه له فلا، وأجراها بعضهم على الظاهر.
وقال ابن مسعود، والسدّي: من ارتشى في الحكم وحكم فيه بغير حكم الله فهو كافر. اهـ.

.قال الماوردي:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، ثم قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْظَّالِمُونَ}، ثم قال تعالى: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وفي اختلاف هذه الآي الثلاث أربعة أقاويل:
أحدها: أنها واردة في اليهود دون المسلمين، وهذا قول ابن مسعود، وحذيفة، والبراء، وعكرمة.
الثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، وحكمها عام في جميع الناس، وهذا قول الحسن، وإبراهيم.
والثالث: أنه أراد بالكافرين أهل الإِسلام، وبالظالمين اليهود، وبالفاسقين النصارى، وهذا قول الشعبي.
والرابع: أن من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، فهو كافر، ومن لم يحكم مقرًا به فهو ظالم فاسق، وهذا قول ابن عباس. اهـ.